حديث الجمعة وكل جمعة
جيل كورونا بين محبة الله وهوي النفس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي النبي الآمين وبعد..عندما كنا صغاراً كنا نقلد الكبار في الصيام ونجتهد لنظهر أمامهم أننا كباراً لا يشق لنا غبار، ونقدر علي مشقة الصوم ولا مانع في الخفاء خلسة ببعض الطعام الذي نخفيه في ثيابنا حتي نخف جوعنا ونشرب حتي نرتوي بعيدا عن عيونهم ،ونمارس دورنا في التمثيل والإيحاء بالتعب كلما مر الوقت فإذا ضرب مدفع الإفطار أخذنا في الهرولة بفرحة طفولية لنأكل معهم ولم نكن نعلم أنهم يعلمون ويبتسمون ،وكانوا يقولون تعجباً سبحان الله.
ومع ذلك يشجعوننا علي الصمود بالوعود البراقة والهدايا القيمة.
ولم نكن ندري شيئاً عن الإخلاص وأن الصيام جنة ووقاية وعبادة خصها الله له دون غيرها من العبادات لهذا السبب الإخلاص.
ثم تمر السنوات ويتكرر الأمر مع أولادنا ونحن نري فيهم طفولتنا ونبتسم ، ونقول سبحان الله تعجباً فارحين بهم ومشجعين لهم علي الصمود.
ثم تمر السنوات والسنوات...
حتي صارفي عصرنا هذا جيل الكورونا..جيل سوبر بتسريحات شعره الشاذة والمنفرة والبنطلونات الممزَّقة والمرقَّعة ونراه بعيوننا كما وصفه رسولنا لكع ابن لكع في قوله" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ" أي اللئيم الخسيس، في ذات نفسه ، وفي حسبه ونسبه.
نراهم يفطرون أمام عيوننا في رمضان جهاراَ نهاراً علي الطرقات وفي الشوارع ويدخنون بلا حياء.
ناهيك عن الغيبة والنميمة والسب والشجار إلي أخره، وليس بعيداً عن العيون في بيوتهم تحت عنوان "إذا ابتليتم فاستتروا" بل صار الجهر بالمعصية لا تهمهم ولا تشغل بالهم تحت سمع وبصر القانون الذي لم يعد له هيبة ولا يبالي اصلاً بصلاحهم أو فسادهم ،بل يشجع التمرد والإلحاد بالصوت والصورة والكلمة فنحن في بلد حر وديمقراطي وظن شراً ولا تسأل عن الخبر.
وهذا الجيل التعيس جيل الكورونا إلا من رحم ربي لم يعد الخوف والخشية من الله مكاناً في قلوبهم ، وصدق رسول الله-صلي الله عليه وسلم : "إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت"
أن مشكلة هذا الجيل السوبر الذي لا يعرف من الإسلام إلا أسمه ومن الدين إلا رسمه إلا من رحم ربي منهم هو أنه يحب الله حب مستحيل علي هواه ومزاجه كما يرضيه هو لا كما يرضي ربه.
وهيهات..هيهات أن ترتقي وتسمو نفوس هذا الجيل المنكرة الجاحدة كما كان جيلنا الذهبي قبل الانحطاط في زماننا هذا الذي علا فيه أهل المنكر علي أهل المعروف، حتي صارت البلطجة والإباحية فناً راقياً ،والهلوسة والجدال في الباطل فكراًعبقرياً، والتعالي علي العلماء الربانيين علماً وتجديداً.
أقول هذا الجيل السوبر الذي لا يعرف كيف يحب الله كما يريد الله منه لا كما يريد هو.
تراه ينقر صلاته أن صلي في رمضان أو غير رمضان نقر الديوك ، فما أثقل الطاعة علي نفسه من صلاة وقيام وترتيل قرآن وغير ذلك مما يحبه الله من عباده .
ولابن القيم-رحمه الله- اسطورة طريفة أي قصة خيالية ذكرها في كتابه (بدائع الفوائد) ليدرك الغافل كيف يحب الله؟!
تقول الأسطورة:
أن فأرة رأت جملاً فأعجبها ، فجرت خطامه فتبعها ، فلما وصلت إلى باب بيتها ، وقف الجمل متأملا صغر باب بیت الفارة مقارنة بحجمه الكبير جداً ، فنادى الجمل الفأرة قائلا إما أن تتخذي دارا تليق بمحبوبك أو تتخذي محبوبا يليق بدارك..
قال ابن القيم مخاطبا كل مؤمن ومؤمنة بالشاهد من القصة "إما أن تصلي صلاة تليق بمعبودك ! ، أو تتخذ معبودا يليق بصلاتك" انتهي.
نعم لا يليق بهذا الجيل أن يعبد الله كما يريد بل كما أراد منه فهو الرب ونحن عبيده وهو خالقنا ورازقنا.
نعم ورب الكعبة أن ثقل الطاعة في رمضان على القلوب الغافلة من الجيل السوبر بحجج واهية بعد الإفطار للجلوس كتنابلة السلطان أمام شاشة التلفاز تشاهد المسلسلات والفوازير وبرامج المقالب تارکه فضل الصلاة و الجماعات التي لن تمنعها الكورونا في بيوتنا –وأن شاء الله في بيوت الله تعالي- فضلاً عن ترتيل كتاب الله وثواب الدعاء والإلحاح فيه، ولقد ذكر الله تعالي استجابته لدعاء الداعين فقال تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يشدون ) البقرة ۱۸۹
فمتي يستشعر هذا الجيل المسكين الغافل عظمة اللجوء إلي ربه وخالقه وتوكله عليه - عز وجل- ويدعوه، وأن لم يكن في رمضان فمتي ؟!
أنه جيل يحتضر دينيا وخلقياً فهل يدرك العقلاء من أهل الحل والعقد تم الأهل والمصلحين وحتي كل من كان يدس أنفه دوماً في أمورنا في الدين والدنيا من أهل الفهامة والنباهة سواء كان يفهم أو يهرف بما لا يعرف عظمة الخطر الذي يحيط بهذا الجيل وهويته وإسلامه قبل فوات الأوان.
اللهم أني قد بلغت اللهم فاشهد
وكتبه العبد الفقير لعفو ربه
سيد مبارك